د. إبراهيم بن حمد (الرئيس التنفيذي لشركة دار المعرفة للتنمية البشرية)
◄هل فكرت يوماً من الأيام في مستوى التفكير الذي لديك، أو في نوع العقل الذي تحمل. يقال إنّ هناك ثلاثة أنواع من العقول: العقول العظيمة، والعقول العادية، والعقول الضعيفة. العقول العظيمة تهتم بالقيم والمثل وتسيطر عليها القضايا المهمة في الحياة والمجتمع وعلى المستوى الشخصي. إنّها عقول تسعى من أجل الأفضل وتعيش من أجل تحقيق الأفكار التي تؤمن بها، وشغلها الشاغل الحديث حول القيم والمثل. هذا هو مناط تفكيرها ومحط اهتمامها ومصدر متعتها. إنّها عقول تصنع الأحداث أو تشارك فيها أو تتفاعل معها.
أما النوع الثاني من العقول فهي العقول العادية، وهي عقول تدور في فلك الأحداث واهتمامها تفاصيل ما يحدث كلّ يوم، ولذلك تراها في نهارها وليلها مغرمة بسير مجريات الأمور، والحديث عن الوقائع والأحداث: حدث كذا، وحدث كذا، وفي يوم كذا حصل هذا، وفي يوم هذا حدث كذا... إلخ. ولا تخرج اهتمامات هذه العقول في الغالب عن التعليق والسرد والمتابعة لما يحدث لها أو من حولها. هذا هو مبلغ علمها أو مصدر متعتها وطريقتها المفضلة لتمضية الوقت.
أما النوع الثالث من العقول فهي العقول الضعيفة، وهي أسوأ العقول وأكثرها هامشية، إنّها عقول تهتم بالأشخاص ودائمة الحديث عن فلان وفلان ماذا فعلوا؟ كيف تصرفوا؟ أين كانوا؟ إنّها عقول منخرطة في فلسفة القيل والقال وتضييع الأوقات والجهود في سرد أحوال الآخرين وكشف حياتهم والحديث عنهم، وربما قادهم هذا التركيز وهذه الميول إلى الغيبة والنميمة وتقطيع أواصر العلاقات الإنسانية.
هذه أنواع ثلاثة من العقول، وهي تمثل ميول عامة وليس المقصود من التركيز عليها بالدراسة والتفصيل أنّ كلّ واحد منها يوجد بالكامل في الإنسان في حياته العادية. بل إنّ حياة الإنسان مزيج من هذه الأنواع الثلاثة، ولكن بنسب متفاوتة. فقد يكون شخص لديه عقل عظيم بصفة عامة ولكنه أحياناً يمارس ممارسة العقول العادية أو الضعيفة. وقد يكون شخص آخر ميوله العقلية عادية بصفة عامة ولكنه أحياناً يمارس ما يمارسه أصحاب العقول العظيمة... إلخ.
المهم في الأمر أن تكتشف نفسك وأن ترى إلى أي نوع من هذه العقول تميل ثم تضع خطة للعناية بعقلك وتوظيفه في أفضل الوظائف التي خلق من أجلها. ولأنّني أحب العقول العظيمة وأتمنى أن يرزقني الله وإياك واحداً من هذه العقول فإني سأقدم هنا ما اعتقد أنّه يساعد على الوصول إلى هذا النوع من العقول.
1- ليكن لديك برنامج يومي لرفع مستوى إيمانك، فالانشغال في هذا البرنامج يوجه اهتمامك وسلوكياتك ومواقفك إلى أمور عظيمة، ولا يجعل لديك وقت للانشغال في تضييعه. إنّ ارتفاع مستوى الإيمان ومراقبة الخالق سبحانه وتعالى ترفع من مستوى تفكيرك وتسخر العقل لتحقيق أفضل وظائفه: تحقيق رضى الله وتسخير أفضل الوسائل للحياة والتفكير والتدبر وحل المشكلات والإبداع.
2- ليكن لديك أهدافاً كبيرة وعظيمة في الحياة. إنّ وجود مثل هذه الأهداف يجعل من العقل آلة رائعة للإنتاج والإنجاز والإبداع وتحقيق السعادة والنجاح. آلة تبحث عن كلّ الوسائل والطرق لتحقيق هذه الأهداف، ومن ثم لا يكون هناك مجال لتبديد الطاقة في ما تفعله العقول العادية أو الضعيفة.
3- تعلم الإدارة الذاتية لنفسك، تعلم كيف ترتب أولوياتك بصفة مستمرة، وكيف تخطط، وكيف تستغل وقتك، وكيف تركز على إنجاز المهام، وكيف تفكر بطريقة إيجابية وتكون متوازناً على الدوام. إنّ تعلم آليات الإدارة الذاتية يجعل حياتك تدور في فلك مختلف. وهذا الفلك لا يسمح لك على الإطلاق في الدوران في مدارات العقول العادية والضعيفة.
4- تعلم أنواع التفكير: التفكير النقدي، الإبداعي، الاستكشافي. طوّر قدراتك ومهاراتك في هذه الأنواع من التفكير، ووسع مع دائرة تفكيرك. تقول الدراسات إنّ نجاح الإنسان وتحقيقه للتميز في العمل والحياة تعتمد على طريقة التفكير، فكلما وسعت من دائرة تفكيرك ووظفت هذه النعمة العظيمة التي وهبها لك الله ستجد آثارها سريعاً في حياتك "الخرائط العقلية للمؤلف الشهير توني بوزان".
لقد تعلمت منذ سنوات طريقة توسيع دائرة تفكيري عن طريق الخرائط العقلية للعالم الشهير بوزان: ووجدت أنّ هذه الطريقة تفتح لي آفاقاً رحبة من الأفكار والحلول والبدائل. تعلم أنواع وآليات التفكير المنظم فإنّك ستجد متعاً عظيمة وفوائد كبيرة.
5- مارس القراءة باستمرار. إنّها ممارسة عظيمة آثارها على الحياة رائعة. تقول المقولة الغربية Leaders are Readers القادة "في كلّ مجال" كثيرو القراءة. فنحن عن طريق القراءة نتعلّم باستمرار ونبني مواقفنا واتجاهاتنا ونطوّر مهاراتنا ونكون جزءاً من العالم من حولنا نؤثر ونتأثر به.
6- استعمل سياسة الإفساح الفكري في تعاملك مع الآخرين. وأهم جوانب هذه السياسة احترام الآخرين وتقديرهم والتعامل معهم بروح العدل والإنصاف، والتعامل بإيجابية مع افتراض الاختلافات في الرأي، والحلم والأناة وسعة الأفق. إنّ الذي تسيطر عليه مثل هذه العقلية لا يفكر بطريقة سلبية وليس لديه وقت للصراع مع الآخرين على موضوعات تافهة، كما أنّه ليس لديه وقت للغيبة والنميمة.
7- كن منصتاً جيداً فإنّها الطريقة المثلى للتعلم والفهم والتأثير الإيجابي في الآخرين. أنصف أذنيك من لسانك فهذا الإنصاف مؤشر على مستوى النضج العقلي ودرجة سامية من الحكمة والتعقل.
8- لا تتحدث عن الأشخاص إلّا للضرورة، فالتعوّد على الحديث عن الأشخاص ديدن العقول الضعيفة ولا تضيع الكثير من الوقت في الحديث عن الأحداث إلّا لأخذ العبر والاستفادة من الدروس، فالتعوّد على ذلك هو ديدن العقول العادية. ►
المصدر: كتاب دروس ثمينة في تحقيق التميز والنجاح في الحياة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق